مقدمة
الجهود التي تبذلها الدول الاستبدادية لقمع المعارضة ليست محدودة داخل حدودها الإقليمية، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، كانت هناك العديد من حالات القمع العابر للحدود بشكل ملحوظ – دول تنفذ سياسات قمعية لإسكات أو إكراه المواطنين الموجودين خارج حدودها الإقليمية – بما في ذلك اغتيال السعودية لجمال خاشقجي في تركيا1، واغتيال نشطاء وأعضاء من المعارضة الراوندية في جنوب إفريقيا ودول أخرى2، والمضايقات والترهيب للمعارضين والنشطاء الصينيين في كندا والولايات المتحدة3. وإذ إن القمع العابر للحدود لا يعدّ ظاهرة جديدة، ولكن ممارسات كهذه آخذة في الاتساع من خلال نمو سوق التقنيات الرقمية وانتشار الاتصال بالإنترنت على نحو واسع، بالإضافة إلى عوامل أخرى.4 هذا البعد الرقمي للقمع العابر للحدود – الذي نشير إليه بالقمع الرقمي العابر للحدود – أصبح بسرعة حجر الزاوية للقمع العابر للحدود بشكل يومي، ويشكل تهديدًا لحقوق وحريات المعارضين والنشطاء الذين يعيشون في المنفى.
في هذا التقرير، نشرح آثار القمع الرقمي العابر للحدود على النشطاء والمعارضين المقيمين في كندا. لقد خلصنا إلى أن للقمع الرقمي العابر للحدود تأثير خطير على هذه المجتمعات، بما في ذلك قدرتها على الانخراط بأنشطة المناصرة العابرة للحدود فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان في بلدانهم الأصلية. ومع ذلك، فإن هناك فقط قليل من الدعم المقدم للضحايا الذين تعرضوا لهذه الأشكال من الاستهداف، كما أن سياسات الحكومة الكندية تعدّ غير كافية، حتى الآن. هذه النتائج مقلقة، لا سيما أن حكومة ترودو قد جعلت الترحيب باللاجئين في كندا وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان حجر الأساس في برنامجها السياسي. بينما قد بدأت الحكومة بالتطرق إلى تهديد التدخل الأجنبي في كندا، وهو مصطلح واسع كفاية ليدرج القمع الرقمي العابر للحدود، بيد أن تركيزها بالدرجة الأولى كان على التهديدات الرقمية المتعلقة بالمؤسسات الديمقراطية الكندية وعلى المصالح الاقتصادية والبنية التحتية والحيوية. ما يبدو أن حماية حقوق الإنسان وحريات المهاجرين واللاجئين ليست ذات أهمية تذكر.
في القسم الأول من التقرير، نعرض الآليات التقليدية للقمع العابر للحدود الوطنية و ممارسات الاستبداد خارج الحدود الإقليمية. وفي القسم الثاني نقدم مراجعة للأبحاث الحالية حول كيفية تجسد القمع الرقمي العابر للحدود وتأثيره على النشطاء والمعارضين في المنفى. وفي القسم الثالث نلخص النتائج التي توصلنا إليها من المقابلات التي أجريناها مع النشطاء والمعارضين الذين انتقلوا أو فرّوا إلى كندا من بلدانهم الأصلية، والذين تم استهدافهم بأشكال مختلفة من القمع الرقمي العابر للحدود في كندا. وختاماً، في الفصل الرابع نضع جملة من التوصيات للحكومة الكندية للبدء في التصدي للقمع الرقمي العابر للحدود في كندا.
القسم الأول: مقدمة إلى القمع العابر للحدود* (ترجمة مختصرة)
يصف مصطلح القمع العابر للحدود كيف أن الدول الاستبدادية “تصل إلى ما وراء حدودها الوطنية لإسكات المعارضين والنشطاء في مجتمعات الشتات والمنفى.”5 ويمكن تمييزه عمّا يسمى بجهود القوة الناعمة العابرة للحدود، والتي “لا تسعى إلى كسب النفوذ من خلال قوى الجذب ، ولكن بدلاً من ذلك تهدف إلى الانقسام والتخريب والاستحواذ والإكراه.”6
تستخدم الدول التي تنخرط في القمع العابر للحدود الوطنية مجموعة متنوعة من الأساليب لإسكات أو اضطهاد أو السيطرة أو الإكراه أو ترهيب مواطنيها في الخارج بطرقٍ أخرى كي تدفعهم للإحجام عن الأنشطة السياسية أو الاجتماعية العابرة للحدود التي قد تقوض أو تهدد ديناميكيات الدولة والسلطة داخل حدودها. وبالتالي، فإن مواطني هذه الدول الذين يقيمون في الخارج لا يزالون مقيدين في كيفية ممارسة “حقوقهم وحرياتهم” و “رفع أصواتهم”، و خاضعين لاستبداد الدولة حتى بعد مغادرة بلدهم الأصلي.7
القسم الثاني: مقدمة إلى القمع الرقمي العابر للحدود *(ترجمة مختصرة)
السمات الرئيسة للقمع الرقمي العابر للحدود
يتم إدراج التقنيات الرقمية في الأنماط الحالية للقمع العابر للحدود الوطنية مما يعزز الآليات المتاحة للدول الاستبدادية للقيام بعمليات قمعية خارج حدودها الإقليمية.8
تشير التقارير إلى أن دولاً عديدةً ، قد استخدمت تقنيات رقمية مختلفة لقمع مواطنيها الذين يعيشون خارج حدودها على نطاق واسع؛ مثل البحرين،9 وميانمار،10
والصين،11ومصر ،12وإثيوبيا ،13 وإيران ،14 وكازاخستان ،15 ورواندا،16 والمملكة العربية السعودية ،17وسوريا ،18 وفيتنام19
– على سبيل المثال لا الحصر-. هناك مجموعة من الميزات الرئيسة التي تنفرد بها هذه الظاهرة، والتي تسهّل انتشار القمع الرقمي العابر للحدود:
- مخاطرها منخفضة وقابلة للتطوير: بينما تتطلب التقنيات الرقمية بعض الاستثمار المالي أو البشري من قبل حكومة البلد الأصلي، فإن العديد من أشكال القمع الرقمي العابر للحدود يمكن أن تكون غير مكلفة نسبيًا (على سبيل المثال، حملات المضايقة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام مكالمات الفيديو عبر Skype بهدف القهر والإكراه عن طريق عميل، أو حملات تشويه عبر الإنترنت) والتي يتم تحقيقها على نطاق واسع مع جمهور كبير.20
- يصعب اكتشافها: قد يكون من الصعب على الأفراد المستهدفين اكتشاف محاولات الاختراق باستخدام التقنيات الرقمية.21 يكافح الأشخاص لتتبع مصادر حملات التشويه أو اكتشاف الهوية الحقيقية لأولئك الذين يرسلون لهم رسائل مضايقة أو تهديد على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من المنصات عبر الإنترنت. توفر ثغرات (zero-click) آلية لإصابة هاتف شخص ما، دون ترك أي أثر واضح (مثل نص خبيث) أو الحاجة إلى أن يتخذ الشخص المستهدف إجراءاً محددًا (مثل النقر على رابط)22. قد يكون من الصعب على أجهزة إنفاذ القانون أو المجموعات الأخرى ذات الصلة -التي غالبًا ما تفتقر إلى الخبرة الفنية اللازمة- تحديد مثل هذا النشاط و نسبه إلى جهة فاعلة معينة.
- قابلة للتكيف: يتميز القمع الرقمي العابر للحدود بالسهولة، ما يمكّن الدول التي تقوم بمثل هذه الأنشطة من تغيير التكتيكات والاستراتيجيات بسرعة عند استخدام التقنيات الرقمية.23 إضافة إلى أن القمع الرقمي العابر للحدود لا يحتاج بالضرورة إلى نفس الموارد التي تتطلبها أنشطة المراقبة المادية.24
- تأثيرات سلبية ومثبطة على نطاقات أوسع: إن مجرد وجود التقنيات الرقمية، مثل برامج التجسس والبرامج الضارة، واحتمال أن تستخدمها حكومة البلد الأم ضد هدف ما، يخلق شعوراً بعدم الأمان وله آثار سلبية للغاية على الأنشطة الاجتماعية والسياسية للأفراد المستهدفين. بشكل أساسي ، “الفضح عن الحياة الخاصة للفرد بعد هجوم ببرامج ضارة، أو معرفة أن أحد أفراد العائلة قد تعرض للتهديد، يمكن أن يدفع الشخص إلى تقليص أو إيقاف النشاط الحقوقي أو أي سلوك آخر غير مرغوب فيه على الفور.”25
- الافتقار إلى مساءلة الجهات الحكومية والجناة الآخرين: يلاحظ الباحثون أن “التكلفة المعيارية” للقمع العابر للحدود قد تكون “منخفضة” لأن مثل هذه التهديدات قد لا يُنظر إليها على أنها “انتهاك لسيادة البلد المضيف”.26 يقترن هذا الإفلات من العقاب بحقيقة أن “التكلفة المعيارية لاستخدام القمع العابر للحدود قد انخفضت، لا سيما بسبب تراجع المعايير ضد الدول التي تستخدم العنف خارج حدودها الإقليمية في غياب الحرب”.27 حقيقةً، لا يزال إطار القانون الدولي للهجمات الرقمية التي تعد ما دون عتبة استخدام القوة، موضع نقاش.28
القسم الثالث: القمع الرقمي العابر للحدود في كندا
أجرينا ما بين عامي 2020 و 2021 مقابلات استطلاعية لبلورة فهم أفضل للقمع الرقمي العابر للحدود الذي يؤثر على النشطاء والمعارضين الذين يعيشون في كندا، والذي لم تتم دراسته بشكل كافٍ بشكل عام. أجرينا مقابلات مع 18 فردًا، جميعهم مقيمون في كندا، انتقلوا إلى كندا أو فروا إليها من بلد آخر (بلدهم الأصلي)، والذين عبروا ذاتيا عن مشاركتهم السياسية أو الاجتماعية فيما يتعلق ببلدهم الأصلي.
ستة مشاركات قد عرفن أنفسهنّ كإناث، و 11 قد عرفوا أنفسهم كذكور، بينما فضّل أحد المشاركين عدم الكشف عن الهوية الجنسية. قد عرّف المشاركون والمشاركات عن أنفسهم أنهم من مناطق جغرافية وبلدان متعددة؛ بما فيها سوريا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، والتيبت، وهونغ كونغ، والصين، ورواندا، وإيران، وأفغانستان، وشرق تركستان، بلوشستان29.
متوسط أعمار المشاركين كان 37 عاما.30 جميع المشاركين حاصلون على تعليم جامعي، أو يدرسون حاليا في كلية أو برنامج دراسة جامعي. أفاد المشاركون من غير الطلاب أنهم قد عملوا في مجالات متعددة مثل الصحافة والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية ومنظمات المجتمع المدني. عبر المشاركون أنهم قد غادروا بلدانهم الأصلية لأسباب مختلفة، بما فيها أسباب عائلية (مثلا قررت العائلة المغادرة عندما كانوا بعمر الطفولة)، وعدم القدرة على الاستمرار في العيش في البلد الأم، و/أو الهروب من الاضطهاد. في أغلب الحالات ارتبطت مغادرة المشاركين (أو مغادرة أسرهم حين كانوا في سن الطفولة) بالاضطهاد أو الخوف من السلطات في بلدانهم الأصلية.
تحرّت المقابلات عن مجموعة من القضايا، مثل نشاط المشاركين في بلدهم الأصلي وفي كندا، و استخدامهم للتقنيات الرقمية سواء في بلدانهم الأصلية أو في كندا، ومشاعرهم إزاء استهدافهم رقمياً سواء في كندا أو قبل وصولهم إلى كندا، وكيف أثّرت هذه الاستهدافات عليهم. هناك طيف واسع من تكتيكات القمع الرقمي العابر للحدود التي استهدفت المشاركين، والتي تراوحت ما بين الاختراق والتصيد الاحتيالي والاستيلاء على الحسابات وحملات التصيد وحملات البوتات (ما يتداول بالعربية بتعبير “الذباب الإلكتروني”) على وسائل التواصل الاجتماعي، والتهديدات عبر الإنترنت، وحملات التضليل والتشهير. ذكر المشاركون أنهم قد اتبعوا بعض ممارسات الحماية الرقمية محاولين حماية أنفسهم.31
نشرح بمزيد من التفصيل في الأقسام التالية تجارب الأشخاص الذين قد تم استهدافهم بالقمع الرقمي العابر للحدود. لقد وصف لنا المشاركون جوانب هامة عن آثار هذه الاستهدافات، بما فيها الآثار النفسية والاجتماعية والصحية، على سبيل المثال الشعور بالارتياب والقلق وزيادة الحذر، والعزلة الذاتية، والآثار السلبية على حياتهم الدراسية والمهنية، والشعور بالمسؤولية عن أمن وسلامة الآخرين، الحدّ من التواصل مع العائلة والأصدقاء في كندا وفي البلد الأم. كذلك قد أشاروا إلى روابط ما بين أمانهم الرقمي و أمانهم الشخصي، كما سلطوا الضوء على نقص الموارد المتاحة لهم للاستجابة للقمع الرقمي العابر للحدود. تستند هذه النتائج إلى بحث سابق يؤكّد على الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة للقمع الرقمي العابر للحدود وكيف يؤدي إلى الرقابة الذاتية وتقلص الشبكات الاجتماعية. لم نقم من طرفنا بفحص تقني للتهديدات الرقمية التي وصفها المشاركون، بيد أنهم قد ربطوا هذه التهديدات بسلطات بلدانهم الأصلية اعتبروا أنها مرتبطة بنشاطهم السياسي أو الاجتماعي أو الحقوقي.
تأثير القمع الرقمي العابر للحدود على الصحة النفسية الاجتماعية
أكّد المشاركون ما تفيد به الأبحاث الحالية بأن القمع الرقمي العابر للحدود يؤثر بالفعل على صحتهم النفسية الاجتماعية. فقد أوضح ناشط سعودي أن الاستهداف الرقمي هو شكل من أشكال “الحرب النفسية والوجدانية” ووصف حالته بأنه يعاني من “خوف وقلق لا متناهيين” بشأن استهدافه رقمياً.
شارك المشاركون الآخرون ملاحظات مشابهة في أثناء الدراسة. استخدم حساب الانستغرام الخاص بأحد نشطاء حقوق الإنسان من التيبت كمنصة لمضايقته والتنمر عليه، إضافة إلى تلقيه رسائل تصيد عبر البريد الالكتروني ورسائل تهديد عنيفة برسائل مباشرة على كل من فيسبوك وإنستغرام. عبر عن أنه قد عانى من الإرهاق الجسدي، ما جعل الموازنة ما بين حياته العادية والتهديدات المتدفقة “أمراً -ذهنياً- […] مؤلماً للغاية”، وأنه قد أصبح عرضة للأذية النفسية، واصفاً التجربة بأنها أمر مأساوي. أفادت المشاركات النساء أنهنّ قد تلقين تهديدات بالإغتصاب عبر الإنترنت، إضافة إلى تهديدات أخرى ذكورية و ذات طابع كاره للنساء، وأنهن نتيجة لذلك قد تشكل لديهن شعور عميق بانعدام الأمان الرقمي و الشخصي.
أحد المشاركين من اليمن -ممن قد عملوا في مجال الصحافة (نعرّف عنه باسم أحمد لاحقاً في هذا التقرير)، ومشارك آخر ممن نشطوا في مجال حقوق الإنسان والمناصرة- قد عانوا من محاولات اختراق متكررة وفاشلة تستهدف حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وحسابات البريد الإلكتروني الخاصة بهم، إضافة إلى تعرضهم لحملات تشهير عبر الإنترنت. قد لاحظوا أن الهجمات الرقمية المحتملة قد جعلتهم يشعرون “بالذعر بشكل مستمر” و “بخدرٍ مشاعري”. وقد شرح ناشط سياسي سوري أن الاستهداف الرقمي -والذي يتضمن إغلاق صفحة تخص نشاطه بشكل متكرر من قبل فيسبوك، واختراق حساباته السوشيال ميديا، إضافة إلى اختراق بريده الإلكتروني- أنه قد عانى من آثار سلبية على صحته الجسدية والنفسية، وقد تطورت إلى “قلق حادّ”.
ناشط سياسي سوري آخر قد تعرضت حساباته السوشيال ميديا للاختراق، عبّر أن التعرض للاستهداف الرقمي قد كان له “آثار نفسية” سببت له “ذعراً دائما وقلقا مستمراً”. قد أثرت هذه الحالة على “علاقاته العاطفية” و “خلقت حالة من من عدم الاستقرار النفسي”. شرح ناشط سياسي واجتماعي من أفغانستان أنه قد شعر بدرجة عالية من انعدام الأمان بعد أن قد تم الاستيلاء على شريحة الموبايل الخاصة به، وأنه قد خشي التعرض للاعتداء الجسدي في كندا.
في بعض الحالات، أكد المشاركون بشكل واضح أنه بالرغم من أية أثار سلبية قد عانوا منها، إلا أن الاستهداف الرقمي لم يمنعهم من متابعة الانخراط في نشاطهم. مثلا، مدافع عن حقوق الإنسان من التيبت أكد أنه على الرغم أن الاستهداف الرقمي قد أثر على الطريقة التي ينخرط بها في أنشطة المناصرة المتعلقة بالتيبت، بيد أن هذه التجربة لن توقف نشاطه. وقد عبر مشارك سوري كان قد توقف عن المشاركة في النشاط السياسي عندما وصل إلى كندا، أن الاستهداف الرقمي الذي قد تعرض له (والذي وقع بشكل أساسي عندما كان في سوريا) قد جعله “أكثر شراسة”.
علي: ناشط في حقوق الإنسان من السعودية32
انتقل علي من المملكة العربية السعودية إلى كندا في عام 2017. لم يعتبر علي نفسه ناشطا قبل الانتقال إلى كندا، مع أن بعضاً من أفراد أسرته كانوا منخرطين في أنشطة كهذه في السعودية. بيد أن الوضع قد تغير بالنسبة لعلي بعد وصوله إلى كندا، إذ اعتقلت السلطات في السعودية أحد أشقائه، ما دفع به للانخراط في أنشطة حقوقية و حملات مناصرة للإفراج عنه. كانت التكنولوجيا أداةً مهمة في نشاط علي، إذ مكنته من التواصل مع الأشخاص والعائلة في السعودية وفي أماكن أخرى. ولكن علي في الآن ذاته يدرك أن الأنظمة الاستبدادية لديها الموارد اللازمة للتحايل على تدابير النشطاء في الأمن الرقمي، مثل التشفير، كي تستهدف النشطاء والمعارضين.
تعرَض عليَ للاستهداف الرقمي، ردّاً على نشاطه في المناصرة، مثلا قد تعرض للاستهداف بشكل متكرر على تويتر من قبل متصيدين أو ما يعرفون ب(الذباب الالكتروني) الذين تدعمهم السلطات السعودية. جاء الاستهداف الأول عندما نشر على تويتر شيئاً متعلقاً بنشاطه، وحظي ما نشره بالكثير من الاهتمام والتفاعل الإيجابي، “كان وابلاً […] من الشتائم”. عندما تعرض علي للمرة الأولى لهجمة مجموعات المتصيدين هذه، كان الأمر كما يصفه: “لقد صدمت، لم أستطع التفكير على نحو مناسب، لم أستطع النوم جيداً، لم أستطع تناول الطعام بشكل جيد، لم أستطع اتخاذ قرارات بشكل صحيح.” علاوة على ذلك، فقد استُهدف عليّ بطرق متعددة، مثل حملات التصيد والتشهير على الإنترنت، كما تلقى العديد من الرسائل النصية المشبوهة. وبعد أن قرأ عن أن المملكة العربية السعودية تستهدف النشطاء باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس (Pegasus) من مجموعة إن إس أو (NSO)، اشتبه علي أن تكون أجهزته قد تعرضت للاستهداف ببرنامج التجسس نفسه.
كان لهذا الاستهداف الرقمي آثار سلبية جمّة على علي، فقد أثّر على صحته الجسدية والنفسية، وعلى حياته الاجتماعية سواء في المحيط الاجتماعي حوله أو على الإنترنت، فمثلا قد أصبح يخضع نفسه للرقابة الذاتية ويحدّ من المعلومات الشخصية التي يشاركها على وسائل التواصل الاجتماعي “صار يفكر بحذر بكل شيء” يمكن أن يقوله “مليون مرة” وقد أصبح “أكثر حرصا” في انتقاء الكلمات التي يستخدمها. إضافة إلى ذلك، فقد صار يحدّ من التواصل عبر الإنترنت مع الأشخاص في المملكة العربية السعودية، لحمايتهم، كما أنه قد صار يحدّ من تفاعله الاجتماعي مع الجالية السعودية في كندا.
لي: ناشطة مناصرة للديمقراطية من هونغ كونغ33
نشأت لي في هونغ كونغ وانتقلت إلى كندا في سن المراهقة. علمتها مشاركتها طفلةً في الاحتجاجات في هونغ كونغ أن الشعب يستطيع صناعة التغيير، لكن تلك المشاركة أيضاً قد علمتها أنه هناك بعض الموضوعات تعتبر من المحرمات، وأن الذين يتحدثون بصراحة شديدة يمكن وصمهم بأنهم مثيرون للشغب. في كندا تنشط لي مع منظمة تنظم العديد من أنشطة المناصرة لقضايا متعلقة بهونغ كونغ، لذا تعدّ التكنولوجيا جزءاً رئيساً من هذا النشاط؛ سواءً أكان للترويج للقضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أم لاستخدام الأدوات الرقمية لتنظيم الأنشطة. ولكن لاستخدام التكنولوجيا مخاطر، فقد ألقي القبض على أعضاء من شبكة لي في هونغ كونغ وتمت مصادرة هواتفهم واستخدامها للوصول إلى مجموعات الدردشة الخاصة، كما تمت إزالة منشورات مجموعتهم المناصرة للديمقراطية من وسائل التواصل الاجتماعي إثر جهود منسقة من قبل السلطات للتبليغ عن منشوراتهم إلى شركات السوشيال ميديا.
واجهت لي موجات من الهجمات المنظمة تجلت في رسائل ذكورية و كارهة للنساء، وتهديدات بالقتل، وذلك بعد مشاركتها في مقابلات إعلامية. أوضحت لي كذلك أنها عندما نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، تلقت “موجة من حسابات البوتات التي ” تهاجمها ب “الإهانات الممزوجة بالتهديدات بالقتل و التهديدات بالاغتصاب”. كانت التهديدات بالاغتصاب “وصفية للغاية” و “قائمة على كراهية النساء”. ما قبل تجربتها مع المناصرة، تلقت لي رسائل تهديد حددت رقم غرفة الفندق التي كانت تخطط للبقاء فيها. وكذلك تتلقى لي بانتظام رسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية مشبوهة تشير إلى عملها في مجال المناصرة وتحثها على النقر على الروابط المتضمنة في الرسائل المشبوهة تلك. تعرض الموقع الالكتروني للمنظمة التي تعمل معها لي إلى هجمات DDoS في وقت إصدار تقارير جديدة. وقد تم تصوير لي في احتجاجات في كندا وتم نشر هذه الصور إلى جانب اسمها وعنوان بريدها الإلكتروني ورقم هاتفها في مجموعات WeChat.
أوضحت لي أن صحتها الجسدية قد تأثرت بهذه التهديدات، وأنها تعاني من “ألم مستمر”. قالت لي:
تضعك تحت الضغط النفسي، وتشعرك بالعزلة الشديدة من نواحٍ عدة لأن […] مع من بامكانك التحدث عن هذه الأمور؟ لا يمكنك تغيير أي شيء، لا شيء أستطيع فعله قد يكون فعالاً في تغيير الطريقة التي يتم التعامل فيها مع عائلتي في هونغ كونغ. هذا الحال يسحقني على عدة مستويات، لكنه لا يمنعني من متابعة العمل الذي أقوم به بالفعل، دائماً ما يقولون عني شجاعة، ولكن هذا ليس شجاعة، إنه حماقة، فأنا أعرض نفسي للخطر، وأنا أدرك ذلك تماماً وأخوض صراعاً مع نفسي كيف يمكنني الحفاظ على أماني وأمان عائلتي وأحبائي، وأتابع انخراطي في العمل الذي أقوم به، وليس لدي إجابات حتى الآن.
رغم وجود لي في كندا، إلا أن حياتها الرقمية شديدة الارتباط مع النشطاء ومع أفراد أسرتها في هونغ كونغ والصين. تخشى لي أنه إن تعرضت حساباتها على الإنترنت للاختراق، فإن هذا قد يعرّض سلامة جميع أولئك الأشخاص للخطر. يدفعها هذا الخوف إلى فرض رقابة ذاتية على أنشطتها على الإنترنت. أوضحت لي:
أخضع نفسي للرقابة الذاتية إلى درجة أنني أطلب من أصدقائي ألا يقوموا بفعل بسيط مثل الإشارة لي على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. […] في المعايير الكندية نشر صورة غدائك يبدو أمراً طبيعياً للغاية، ولكني إن نشرت صورة لوجبة غدائي، فإن كل أفكاري تتوجه بمنحى أنهم.. نعم الآن سيعرفون أين أتناول طعام غدائي، سيتمكنون من معرفة مكاني. إنه يغير مثل هذه الجوانب الصغيرة والكبيرة من حياتي. […] أبتعد عن أصدقائي لأبقيهم بأمان، أو أنني لا أستطيع نشر صورة غدائي والإشارة إلى المكان الذي أتناول غدائي فيه.
ترى لي أن الأمر ليس مجرد مجموعة من الأشخاص يستهدفونها رقمياً، بل هي قوة عالمية عظمى. تعلم لي أن هذا هو الواقع للعديد من المعارضين والنشطاء الذين فرّوا إلى كندا، و تأمل أن تفعل الحكومة المزيد للاعتراف بذلك. أبلغت لي الشرطة في كندا بأنها قد تعرضت للمضايقة، بيد أن الشرطة ردت بأنه لا يوجد ما يمكنهم فعله إزاء ذلك. تؤكد لي أيضاً أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تبذل المزيد من الجهود لحماية مستخدميها وحماية البيانات التي عهد بها المستخدمون إليها.
القمع الرقمي العابر للحدود والرقابة الذاتية
اعتمد المشاركون ممارسات الرقابة الذاتية في مواجهتهم للقمع الرقمي العابر للحدود، من قبيل الحذر المضاعف في ما ينشرونه على الإنترنت. أشار ناشط سياسي وحقوقي من بلوشستان إلى أنه “كان حذراً للغاية وخائفاً من القيام بأشياء قد يتم تسريبها أو مراقبتها أو استخدامها ضده”. وقد أوضح صحفي يمني (عرّفناه باسم أحمد لاحقا في هذا التقرير) أن الاستهداف المتكرر قد أثّر عليه “على المستوى الشخصي”، لذا قد امتنع عن مشاركة آرائه السياسية على فيسبوك إلا “للضرورة”.
وصف ناشط سوري أنه قد شعر بعدم الأمان وأنه لا يريد نشر أي معلومات شخصية على الإنترنت. كما أعرب عن عدم قدرته على “التحدث بصراحة” أو “التواصل مع الناس بانفتاح” أو “نشر أي شيء” يشعر به على الإنترنت. بينما عبّر مشارك سوري آخر أن الخوف من الاستهداف الرقمي العابر للحدود يدفعه إلى حجب معلومات عن عائلته في سوريا، فعلى سبيل المثال، لم يشعر بالارتياح لإخبارهم أنه قد أعيد توطينه لاجئاً في كندا.
أراش: ناشط من إيران34
ذكريات طفولة أراش المبكرة في إيران مليئة بالخوف والقمع السياسي. عام 1990 اتخذت عائلة أراش قرارها بالفرار من إيران والقدوم إلى كندا بحثاً عن وطن آمن. بالرغم من أنه قد نشأ في كندا، إلا أن هذا لم يعنِ انفصاله عن قضايا وطنه الأم، إذ ينشط سياسياً واجتماعياً ويعمل بشكل وثيق مع المجتمعات في إيران، وينشط مدافعاً عن الديمقراطية. تعرّض أراش لتهديدات عديدة عبر الإنترنت، مثل محاولات متكررة لاختراق حسابات بريده الإلكتروني، ومحاولات لانتحال الشخصية عبر الإنترنت، إضافة إلى هجمات التصيد الاحتيالي. كما تعرّض أراش لتهديدات مباشرة خارج الإنترنت، فقد قامت مجموعة من الموالين للنظام الإيراني بالتواصل مع مدراء أراش في كندا في محاولة لفصله من وظيفته. يبدي أراش قلقاً عميقاً إزاء أمن وخصوصية معلوماته وكذلك إزاء أمنه الشخصي وسلامته الجسدية، وتؤرقه سلامة أصدقائه وعائلته في إيران إذ يخشى أن تؤثر التهديدات التي يتعرض لها على أي شخص يتواصل معه، سواء في كندا أو في إيران.
يشعر أراش أن الاستهدافات هذه تؤثر على صحته النفسية. فهو “قلق بشكل مستمر” إزاء استهدافه رقمياً، ويصف التجربة بأنها “تهديد بالغ الخطورة”، ويشرح أراش كيف يؤثر الاستهداف الرقمي عليه من “الناحية النفسية، يؤثر ذلك عليك، [أنت] تقلق بشأن عملك، وتقلق بشأن سلامتك، وأمنك، وما إلى ذلك.” يشعر أراش كذلك بالقلق المتزايد بشأن ما ينشره على الإنترنت، و بشأن اتصالاته عبر الإنترنت مع أفراد يقيمون في إيران. دفع هذا القلق أراش إلى ممارسة الرقابة الذاتية، من قبيل تقييد المحادثات السياسية مع العائلة، وافتراض أن أي شخص غريب يتواصل معه هو تابع للنظام الإيراني. كما أنه قد أضحى أكثر حذراً في تواصله الاجتماعي مع أفراد الجالية الإيرانية في كندا.
إضافة إلى هذه المخاوف كلها، يشعر أراش بالقلق البالغ من احتمال تعرضه للاختطاف من قبل النظام الإيراني، ولا يشعر أنه يستطيع السفر بحرية. تقدّم أراش بالبلاغات للشرطة ولجهاز الاستخبارات الأمنية الكندية (CSIS) عن بعض التهديدات التي تعرّض لها، إلا أن هذه الهيئات لم تتخذ أية إجراءات.
القمع الرقمي العابر للحدود و تقويض الشبكات الاجتماعية
أعرب المشاركون عن تأثير القمع الرقمي العابر للحدود على كيفية تفاعلهم اجتماعياً، سواءً داخل كندا أو خارجها. أوضح المشاركون أنهم قد حدّوا من تواصلاتهم الرقمية مع الأشخاص في بلدانهم الأصلية، وكذلك تجنبوا التواصل مع الأشخاص من بلدهم الأصلي. وقد عبّروا عن أن قلقهم من التواصل مع الأشخاص في البلد الأم يعود إلى قلقهم من الضرر المحتمل الذي قد يتعرّض له هؤلاء الأفراد، في حال قامت السلطات في بلدانهم الأصلية باعتراض اتصالاتهم.
على سبيل المثال، لاحظ صاحب عمل سوري وناشط سياسي (عرفناه باسم أمير لاحقا في هذا التقرير) أنه بعد تعرّض لهجمات رقمية قد بدأ “باختيار الأصدقاء بحكمة”. وعلى غرار ما حدث مع أمير، روى ناشط حقوقي من التيبت أن الضغط الناتج عن الاستهداف الرقمي في كندا كان من جملة عوامل أخرى دفعته إلى قطع العلاقات الشخصية مع الأصدقاء والعائلة، كجزء من إجراءات وقائية تتعلق بالحفاظ على أمنهم. وعبّر أيضا عن الشعور بالذنب والمسؤولية عن حماية الأشخاص الذين قد يتعرضون للعقاب أو الاستهداف بسبب ارتباطهم به. أشار كذلك إلى أن زملاءه في الجامعة في كندا أصابهم الذعر من التحدث معه في الأماكن العامة خشية من أنهم قد لا يتمكنون من العودة للوطن أو أن يتعرض أفراد عائلتهم لإشكالات أمنية مع السلطات.
أشار مشارك سوري إلى أن حياته العائلية وعلاقاته مع الأصدقاء قد تأثرت “بشدة” بنشاطه وأن تعرضه للاستهداف الرقمي قد دفع به إلى “توخي الحذر الشديد” في الصداقات على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أوضح ناشط سياسي واجتماعي من سوريا أنه ما زال يخشى “التواصل مع أفراد من الجالية السورية، وأنه ما زال يخشى من “التجسس أو محاولات الاغتيال ،أو الانتقام” من أسرته. وأوضح أن الاستهداف الرقمي قد “أثر بشكل عميق” على انخراطه الاجتماعي مع المجتمع السوري لأنه قد شعر بالخوف و “لم يشعر بالراحة في التواصل معهم”. دفعه خوفه من الاختراق إلى قطع تواصله المباشر مع الأقارب والأصدقاء، وأصبح “منطوياً جداً” و “يراوده القلق إزاء الناس” وأن “لديه شكوك مستمرة حول الأشخاص وتساؤلات مفرطة حول نواياهم ودوافعهم للتواصل معه”.
أشار ناشط سوري آخر إلى أنه قد اتخذ قراراً متعمداً عند وصوله إلى كندا بالابتعاد عن الجالية السورية. دفعته مخاوفه بشأن النقاشات على فيسبوك و وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى إلى أن يكون “أكثر حرصاً” عندما يتواصل مع شخص لا يعرفه بشكل شخصي، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا السورية. حدّثنا ناشط سياسي واجتماعي من أفغانستان أن تعرضه للاستهداف الرقمي جعلت “الثقة بالناس” أمراً بالغ الصعوبة، فقد أصبح “مرتاباً” من الأفراد من جالية بلده، كما حدّ من تواصله مع الآخرين.
أوضح ناشط اجتماعي وسياسي من تركستان الشرقية35 أن التواصل مع الأفراد في بلده الأصلي كان صعباً للغاية لأن السلطات تفرض رقابة على الاتصالات عبر منصات مثل WeChat والتطبيقات الأخرى. ولذلك لا يتواصل مع العائلة والأصدقاء في الوطن الأم. وأشار أيضاً إلى أن جانباً من قلقهم العميق بشأن التهديدات الرقمية والتجسس متعلق بحقيقة أن الأشخاص الآخرين في وطنهم الأصلي قد يواجهون عواقب وخيمة مثل القتل والتعذيب. شرح لنا ناشط من الصين من المناصرين للديمقراطية أنه قد “فقد التواصل” بمعظم الأصدقاء والمعارف لأنه “لا يريد أن يتسبب لهم بالمتاعب”.
يشرح ناشط سعودي أن همّه الرئيسي هو سلامة الآخرين، قائلاً: “إن تعرّض هاتفي للاختراق، فإن كل هؤلاء الأشخاص سيتعرضون لمشاكل جسيمة، لمجرد اختراق هاتفي المحمول. الخطر ليس فقط على الشخص المُستهدف، ولكن يتعدّاه إلى كل من هم على تواصل مع هذا الشخص.”، وهذا مماثل لما أشار إليه مشارك إيراني (عرفناه سابقاً باسم أراش) إلى أن أحد أهم مخاوفه بشأن الافتقار إلى الأمن الرقمي، كان سلامة الآخرين الذين هم على تواصل معه. وأشار كذلك ناشط من بلوشستان إلى أن ما كان يقلقه ليس احتمال تعقبه أو مراقبته من قبل الحكومة الباكستانية أثناء وجوده في كندا، لكن “جلّ قلقه كان إزاء الأشخاص في بلده الأم” عندما يتواصلون معه. وأكّد أنه قد أتى إلى كندا ليحظى بمساحة حرة ليناصر قضايا شعبه، إلا أنه لا يستطيع التواصل بأمان مع الأشخاص في وطنه الأم.
أحمد: صحفي من اليمن36
وُلد أحمد ونشأ في اليمن، وفرّ إلى كندا عام 2014. في اليمن، عمل أحمد في مجال الصحافة ولعب دوراً هاماً في ثورة 2011 وخلال المرحلة الانتقالية. لاذ أحمد بالفرار إلى كندا، إذ لم يعد بقاء الصحفيين في اليمن آمناً بعد سيطرة ميليشيات الحوثيين على صنعاء وتدخل التحالف الدولي -الذي تقوده السعودية- لاحقا في البلاد. يتعرض الصحفيون في اليمن لأشكال عديدة من العنف بسبب عملهم.
لم تثن هذه الظروف أحمد عن الاستمرار في نشاطه من كندا، ورغم وجوده في كندا، إلا أنه يلتقى بشكل مستمر العديد من التهديدات سواء عبر الإنترنت أو بشكل مباشر. يذكر أحمد أنه قد تعرّض لمحاولات عدّة للوصول غير المصرح به إلى بريده الإلكتروني وحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنه قد تعرّض للاستهداف على واتس أب بوساطة رسالة مثيرة للريبة. يصف الهجمات الرقمية التي قد تعرّض لها بقوله يعني أنك “تفكر باستمرار فيما سيحدث بعد ذلك، تفكر في أصناف الصور التي تلتقطها، وفي ماهية المعلومات التي تحتفظ بها في هاتفك المحمول.” كما قد أشار إلى أنه “لم يعد يثق بأي شخص على الإنترنت” وأضاف قائلاً:
اعتدت أن أكون منفتحاً جداً، ونشيطاً جداً، ولكن الآن […] أحدّ […] من حياتي الاجتماعية […] ليس فقط عبر الإنترنت […] لكن في الحياة الواقعية. لقد صرت شديد الارتياب إزاء […] الناس الذين أقابلهم، لا سيما إن كان لديهم خلفية معيّنة يمكن أن تضعك معهم -بطريقة ما- في موقف صعب سياسياً، أو تتوقع أنهم قد لا يفكرون بنفس طريقة التفكير السياسي مثلك.
دفع الاستهداف الرقمي أحمد إلى ممارسة الرقابة الذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ صار يتوخى الحذر إزاء كل كلمة يكتبها. يشرح أحمد:
تصبح حريصاً للغاية، وأكثر حرصاً مما اعتدت أن تكون عليه […] [أنت] لا تكتب عادةً كل ما تريد نشره أو تريده، كل أفكارك لن تكتب ولن تنشر وقتما تشاء بعد الآن، […] فقد أصبحت تقيّم الأشياء على نحوٍ مختلف؛ ما الذي سيحدث؟ هل ستستفزّ أحداً ما؟ هل ستلحق الضرر بعائلتك؟ هل ستلحق الضرر بأصدقائك؟ هل سيؤثر هذا على فرصك؟
رغم وجوده في كندا، إلا أن أحمد ما يزال قلقاً على سلامة عائلته وزملائه في اليمن بسبب نشاطه. وأكثر ما يثير قلقه هو فضح معلومات الأشخاص الذين يتواصل معهم في اليمن، واستغلال هذه المعلومات لإيذائهم أو لابتزازه. تتزايد مخاوف أحمد كون ميليشيات الحوثي قد اعتقلت بعضاً من أفراد أسرته للضغط عليه وأجبرتهم على إعلان التبرؤ منه. لا يزال أحمد يشعر بالقلق المستمر والتوتر والخوف في كندا. عانى أحمد كثيراً، عمل ودرس في كندا وتأثرت حياته الاجتماعية سواءً في الفضاء الرقمي أو خارجه، إذ يصعب عليه الوثوق بأيٍّ كان.
العلاقة ما بين القمع الرقمي العابر للحدود والأمن الشخصي
ذكر المشاركون أنهم إضافة إلى الاستهداف الرقمي، يتعرضون لأساليب أخرى من القمع العابر للحدود؛ مثل التهديدات الجسدية. بالتالي، إن مغادرة المشاركين بلدانهم الأصلية لم تحلّ بالضرورة مخاوفهم بشأن سلامتهم الشخصية، واستمر شعورهم بعدم الأمان في كندا.
على سبيل المثال، حدثّنا ناشط سعودي (عرّفناه آنفاً باسم علي) أنه قد اتصل به أفراد في كندا محاولين استدراجه للعودة إلى بلده الأصلي. وأوضح ناشط سوري أنه قد تعرّض للتهديد في كندا من قبل أفراد لثنيه عن المشاركة في الأنشطة السياسية. كما روى صحفي يمني (عرّفناه سابقاً باسم أحمد) بارتياح أنه قد شعر في كندا بالأمان الكافي للذهاب لتناول القهوة، لكنه أوضح بعد ذلك أن أفراداً من عائلته قد تعرضوا للاعتقال بسبب نشاطه وأنهم لا يزالون يتلقون تهديدات إن نشر شيئاً على فيسبوك، وهذا يضيء على كيف أن سلامة أفراد العائلة في البلد الأم تظل عرضةً للخطر، حتى عندما يغادر الناشط بلده الأصلي.
أوضح ناشط سياسي واجتماعي من تركستان الشرقية أنه أثناء عرض تقديمي استضافته إحدى الجامعات، حاول شخص -يبدو أنه طالب جامعي- التشويش على العرض التقديمي. يظن المشارك أن الطالب ربما كان يتصرّف بناء على توجيهات من أشخاص في القنصلية الصينية في كندا. وقد حدثنا المشارك كذلك عن تلقيه مكالمات هاتفية تخبرهم بالحضور إلى القنصلية الصينية في كندا لاستلام وثيقة.
أشار ناشط من بلوشستان إلى أنه لم يشعر بالأمان الشخصي في كندا، وأن الشرطة والمخابرات الكندية CSIS قد نصحته باتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية. كما روت ناشطة مناصرة للديمقراطية من هونغ كونغ (عرّفناها سابقاً باسم لي) أنه بعد يومين من صدور تقرير حول المضايقات التي يتعرض لها النشطاء المناهضون للحزب الشيوعي الصيني، تمت مطاردتها في الشارع وصولاً إلى مكان إقامتها في كندا. و روت أيضاً أنه أثناء مشاركتها في إحدى المظاهرات في كندا، اقترب منها شخص ما من وجهها و قال لها أنه سوف يقتلها.
أشار ناشط اجتماعي وسياسي من رواندا إلى أن العديد من أصدقائه قد تعرضوا للاغتيال في المنافي، أو قد تعرضوا لمحاولات اغتيال. روى لنا كيف أن حكومة بلاده كادت أن تختطفه من كينيا، لكنه تمكن من الفرار. ولردع المحاولات الأخرى، كان عليه اتخاذ سلسلة من الاحتياطات أثناء عمله في كينيا. و قد أشار ناشط إيراني (أشرنا إليه آنفاً باسم أراش) إلى أنه قد اتخذ إجراءات معينة لحماية أمنه الشخصي، مثل تغيير “نمط تحركه”، وعدم الإعلان عن مخططات سفره، والامتناع عن السفر إلى البلدان التي تتمتع إيران فيها حضور قوي.
ليو: ناشطة مناصرة للديمقراطية من الصين37
ولدت ليو في الصين وهربت إلى كندا عام 1989 بسبب القمع السياسي. تواصل ليو نشاطها المناصر للديمقراطية من منفاها في كندا، تكتب وتنظم أنشطة حول النضال من أجل الديمقراطية في الصين، متحدّية محاولات الحزب الشيوعي الصيني التلاعب بالرواية في الخارج حول الصين.
تعرضت ليو لأشكال عديدة من التهديدات على خلفية نشاطها؛ سواء عبر الإنترنت أو خارجه. تعرضت أجهزتها للاختراق، واستهدفت بمحاولات تصيّد قائمة على الهندسة الاجتماعية، كما تعرض بريدها الإلكتروني وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي إلى دخول غير مصرح به. إضافة إلى ذلك، فقد تعرضت ليو إلى تهديدات قائمة على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، فعلى سبيل المثال، في عام 2013 أثناء تحضيرها لمؤتمر دولي في تورنتو، اكتشفت ليو أن الحضور في المؤتمر قد تلقوا صوراً ملفقة لها تظهرها عارية. وفي هجمة أخرى عبر الإنترنت، تم إفشاء معلوماتها الشخصية في إعلانات على الإنترنت تعرض خدمات جنسية.
أما عن التهديدات خارج الإنترنت، فتظن ليو أن الحكومة الصينية قد حاولت إيقاف نشر كتابها، إذ تلقت العديد من مكالمات التهديد التي تطالبها بالتوقف عن النشر. كذلك تعرضت لحملات تضليل، إحداها كانت عندما قام أحدهم بتوزيع منشورات مطبوعة لمحتوى تشهيري عن ليو وسلمها لأعضاء البرلمان في أوتاوا، وألصق نسخاً على أعمدة الإنارة في المدينة. وقد تجاوزت التهديدات التشهير، ففي إحدى المرات، كانت ليو مدعوة للحديث عن مذبحة ميدان تيانانمين Tiananmen Square Massacre، اقترب منها شخص وسلمها وثائق قانونية تبلغها أنه قد تم مقاضاتها بمبلغ 10 ملايين دولار كندي.
تلحظ ليو أنها قد شعرت بالأمان في بداية وصولها إلى كندا، أي بعد فترة وجيزة من مذبحة ميدان تيانانمين، إلا أن هذا الشعور آخذٌ في التلاشي منذ ذلك الحين. بينما تشعر أنها قد نجت من القمع في الصين، بيد أنها تشعر بخطر دائم في كندا. مثلا تصف ليو نفسها بأنها “خائفة للغاية”، وأوضحت أنه “أحياناً أضحك على نفسي، هربت من الصين، من القتل، من الاضطهاد […]، من الخطر المروّع، إلى كندا، والخطر يتنامى أكثر وأكثر. الضغط يتزايد أكثر فأكثر هنا.”
أثّر هذا الخوف المستمر من الاستهداف الرقمي والجسدي على العديد من جوانب حياة ليو، مثل حياتها الاجتماعية؛ إذ يحاول العديد من الأفراد من مجتمع الشتات الصيني في كندا ممن يخشون بطش الحزب الشيوعي الصيني، الابتعاد عن ليو سواء على الإنترنت أو في الحياة الواقعية. أبلغت ليو الشرطة بالعديد من التهديدات التي تعرضت لها؛ سواء بشكل شخصي أو عبر الإنترنت، لكن ردّ الشرطة كان أنهم لا يستطيعون فعل شيء. في مواجهتها لهذا القمع، لا تشعر ليو بالقلق على سلامتها الشخصية فحسب، بل على سلامة جميع النشطاء في كندا.
توافر الموارد لمواجهة القمع الرقمي العابر للحدود
لاحظ المشاركون أن هناك افتقاراّ إلى الموارد الرسمية من المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص لمواجهة الاستهداف الرقمي. على سبيل المثال، قد أوضح أحد النشطاء السوريين أنه قد تمكن من مواجهة محاولات اختراق حسابه بالاعتماد على صديق خبير في الأمن الرقمي، الذي تمكن من استرجاع حسابه. إلا أنه قد استأنف قائلاً: “ما عدا ذلك، ليس لديّ أي شيء”.
نسّق مشارك آخر (نشير إليه لاحقا باسم أمير) مع منظمات من المجتمع المدني والقطاع الخاص بشأن مواجهة التهديدات الرقمية التي تستهدف النشطاء السوريين، وقد طرح القضية في مؤتمر نظمته إحدى الشركات. لكن لاحظ المشارك نفسه أن الحكومة الكندية لم تقدم أية تدريبات أو ندوات لزيادة الوعي بشأن مخاطر الأمن الرقمي الذي يستهدف الشركات الصغيرة والناشئة. تواصل ناشط إيراني (أشرنا إليه سابقاً باسم أراش) مع مدرائه في العمل وطلب فحص أجهزته. وتحدث أحد نشطاء حقوق الإنسان من التيبت إلى وسائل الإعلام الكندية و التيبتية حول الاستهداف الرقمي الذي يتعرض له. بيد أن تلقي “الدعم الشخصي والمعنوي” المناسبين كان بمثابة “تحدي” كما يصف.
حاول ناشط سوري التواصل بشكل مباشر مع فيسبوك بخصوص إغلاق صفحات خاصة بتجمعه. كما حاول آخر التحدث إلى وزارة الخارجية الأمريكية بشأن قضية مشابهة. بيد أنه لم تسفر أي من هذه التدخلات عن أية نتائج. تواصل المشاركون كذلك مع المنظمات ذات الخبرة في مجال الأمن الرقمي، ولكن محاولات التواصل هذه لم تكلل دائماً بالنجاح.
استجابة أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات للقمع الرقمي العابر للحدود
تواصل المشاركون مع أجهزة إنفاذ القانون الكندية أو مع وكالة الاستخبارات الأمنية الكندية (CSIS) طلباً للمساعدة، وكانت لديهم ردود فعل متباينة إزاء هذا التواصل.38 لقد بدا المشاركون محبطين من نقص المساعدة الحكومية وشعروا أنهم مجبرون على التعامل مع القمع الرقمي العابر للحدود بأنفسهم. قرروا في بعض الأحيان عدم الاقتراب من أجهزة إنفاذ القانون لأنهم اعتقدوا أن القيام بذلك قد يجعل الوضع أسوأ، أو أنهم افترضوا أن التواصل مع أجهزة إنفاذ القانون سيكون غير مجدٍ.
على سبيل المثال ، أفاد ناشط يمني أنه قد أبلغ عن استبدال SIM الكندية واختراق حسابه المصرفي للشرطة، لكنه لم يتلقَّ أي رد. أثارت إحدى المشاركات من هونغ كونغ (التي عرفناها سابقًا باسم لي) قضية القمع الرقمي العابر للحدود مع مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الكندية، لكنها شعرت أنه لا يوجد إدراك للقضية، كما أنه لا يوجد أي دعم للكنديين الذين واجهوا هواجس كهذه.
تحدث ناشط من بلوشستان إلى كل من الشرطة و وكالة الاستخبارات الأمنية الكندية CSIS، لكن هذا ترك لديه انطباعاً بأنه يتوجب عليه أن يتعامل مع القضية بمفرده. كما أبلغ ناشط من تركستان الشرقية الشرطة أنه يتعرض للمضايقات من خلال المكالمات الهاتفية المتكررة، بيد أن الشرطة قد قالت أنها لا تستطيع فعل شيء إزاء ذلك لأن المكالمات كانت من رقم دوليّ. وعلى نحو مشابه، قام أحد المشاركين بإبلاغ الشرطة عن هواجسه الأمنية إزاء استهداف رقمي لمدونة المناصرة الخاصة به، وجاء رد الشرطة أنه بإمكانه تعيين محقق خاص.
تجنب المشاركون ببساطة التعامل مع الشرطة خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع أو من عدم ثقتهم بقدرة الشرطة على المساعدة. مثلا قد صرّح صاحب عمل سوري وناشط (عرّفناه باسم أمير أدناه) بعد أن تعرضت شركته لهجمات DDoS واسعة النطاق، أنه لم يتواصل مع الشرطة لأنه افترض أن الشرطة لن تكون قادرة على المساعدة. وأوضح ناشط سياسي واجتماعي من أفغانستان أنه لم يتواصل مع الشرطة بعد استهدافه رقميًا لأنه لا يثق بالسلطات الكندية. قالت ناشطة مؤيدة للديمقراطية من هونغ كونغ (عرفناها سابقًا باسم لي) أنها قد تجنبت التواصل من الشرطة لأنه لن يكون مُجدياً.
أمير: ناشط من سوريا39
ولد أمير في سوريا وترتبط ذكريات طفولته المبكرة في البلاد بالخوف والقمع السياسي. انتقلت عائلة أمير إلى كندا في عام 1992 واستقرت هناك منذ ذلك الحين. انخرط أمير في المناصرة السياسية فيما يتعلق بسوريا بعد الانتفاضة السورية عام 2011.
منذ ذلك الحين، تعرض أمير لعدة أشكال من القمع الرقمي العابر للحدود. يذكر منها مثلا، في عام 2011 كان أمير قد بدأ في دعم واستضافة المواقع الإعلامية التي تروج للديمقراطية في سوريا، وفي عام 2012 تم الاستيلاء على حساب Gmail الشخصي الخاص به. ثم في منتصف عام 2013 تعرضت شركة استضافة المواقع الكندية التي يمتلكها إلى DDoS من روسيا، وقد أثرت إحدى هذه الهجمات على مركز بيانات الشركة بشكل كامل. تسبب هذا الهجوم بأضرار جسيمة لشركة أمير وخلّف خسائر مالية كبيرة، وكذلك أثرت عليه على المستوى المهني والمالي والاجتماعي. أوضح أمير أنه قد “بدأ في توخي الحذر أكثر” وصار يختار الأصدقاء “بعناية أكبر”. لم يرغب أمير بالتعامل مع “أي شخص له صلات بالديكتاتوريات” أو إخبار أي شخص بما يفعله. أراد أن يتلافى التعرّض للترهيب أو الانخراط في علاقة عمل مع أي شخص مرتبط بالنظام السوري. وأشار إلى أنه بعد تعرض للاستهداف رقميا، بدأ ب”اختيار الأصدقاء بحكمة، وحتى صار ينتقي الأشخاص الذين ينخرط بعلاقة عمل معهم بحكمة” وأنه لا يريد “دعم شخص ما [أو] منح عمل لشخص يدعم الديكتاتور […] [لأنه] باختصار سأكون أقدم ثمن الرصاص للديكتاتور بشكل غير مباشر لقتل الناس.”
يشكل أمن أفراد أسرة أمير وزملاؤه النشطاء على الإنترنت مصدر قلق كبير له، إذ تعرض العديد منهم لمحاولات متعددة لاختراق حساباتهم أو لتسريب وثائقهم وملفاتهم، لذا يشعر أمير بمسؤوليته عن أمنهم الرقمي. حين تعرضت شركة أمير لهجمة DDoS، قام بتبليغ جهاز الاستخبارات الأمنية الكندية (CSIS)، بيد أنه لاحظ أن اهتمامهم في المقام الأول قد كان منصباً على معرفة فيما إن كان أحد أفراد الجالية السورية في كندا على صلة بجماعات إرهابية. يظن أمير أنه يتعين على الحكومة الكندية بذل مزيد من الجهود لحماية ودعم النشطاء والمعارضين في كندا، ممن يواجهون التحديات ذاتها التي يواجهها.
القسم الرابع: توصيات سياساتية للحكومة الكندية للتصدي للقمع الرقمي العابر للحدود في كندا
تظهر المقابلات المفصلة في القسم الثالث التأثير الخطير للقمع الرقمي العابر للحدود على المجتمعات الكندية. بينما بدأت الحكومة الكندية في مواجهة تهديد “التدخل الأجنبي” في كندا -وهو مصطلح واسع بما يكفي لتضمين القمع الرقمي العابر للحدود- إلا أن الاستجابة تعكس أن الهاجس الرئيسي هو التهديدات المتعلقة بالمؤسسات الديمقراطية الكندية والمصالح الاقتصادية والبنية التحتية الحيوية.40تشير مراجعتنا لتقارير وبيانات الحكومة الحالية إلى أنه كانت هناك جهود متواضعة لفهم وتوثيق آثار التدخل الأجنبي على النشطاء والمعارضين الذين انتقلوا أو فروا إلى كندا. يمكن أن يؤدي التركيز على المفهوم المحدد للقمع الرقمي العابر للحدود (وكذلك القمع العابر للحدود على نطاق أوسع) إلى زيادة التركيز على الآثار العميقة التي تخلفها مثل هذه الأنشطة الاستبدادية على حقوق وحريات هذه المجتمعات. نقدم التوصيات الأولية التالية إلى الحكومة الكندية واضعين هذه التأثيرات في الحسبان. تكمّل هذه التوصيات التوصيات التي قدمتها المنظمات الأخرى في كندا.41
محاسبة مرتكبي القمع الرقمي العابر للحدود
الإدلاء بتصريحات رسمية ضد القمع الرقمي العابر للحدود والتأكد من أن سياسات وأنشطة الحكومة الكندية تظهر بوضوح أن حماية حقوق الإنسان أولوية لها؛ سواء في داخل كندا أو خارجها.42 من الضروري أن تؤكد الحكومة الكندية على أهمية حقوق وحريات مجتمعات النشطاء والمعارضين في كندا، وأن تفهم أن هذه المشكلة لا تقتصر فقط على التهديدات التي تتعرض لها الأعمال التجارية أو المصالح الاقتصادية الكندية.43على سبيل المثال، قد أشارت وزارة التجارة الأمريكية مؤخراً بشكل صريح إلى دور الشركات في تسهيل عمليات القمع العابر للحدود وأضافت مورّد برامج التجسس سيء السمعة NSO Group إلى قائمة الكيانات المدرجة التي عليها قيود تجارية، وقيدت الصادرات الأمريكية ل NSO Group.44 يرسل هذا النوع من الأفعال الحكومية رسالة مهمة إلى الشركات مفادها أنه لن يتم التسامح مع بيع تقنيات المراقبة والتجسس للأنظمة الاستبدادية.
- بحث إمكانية استخدام العقوبات ضد الدول والأفراد والكيانات الأجنبية المسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان أو المتواطئة في هذه الانتهاكات. قُدمت هذه التوصية أيضاً في سياق التصدي للقمع العابر للحدود في الولايات المتحدة الأمريكية.45
- إعادة النظر في قانون حصانة الدول الأجنبية في كندا وإجراء التغييرات اللازمة لضمان قدرة الأفراد الذين يتعرضون للقمع الرقمي العابر للحدود من قبل جهات حكومية أجنبية على الوصول إلى سبل الانتصاف القانوني في كندا. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تعتبر حصانة الدول الأجنبية عائقاً محتملاً عندما تسعى الضحية إلى مقاضاة جهة فاعلة حكومية على أعمال القمع الرقمي العابر للحدود.46
- بحث الأطر التي يمكن فيها استخدام القانون الجنائي الكندي الحالي لملاحقة مرتكبي وميسري القمع الرقمي العابر للحدود في كندا، وتوعية العموم ومؤسسات إنفاذ القانون بشأن هذه الأحكام في سياق القمع الرقمي العابر للحدود.47 كذلك يجب النظر فيما إن كانت جريمة جديدة متعلقة بأنشطة القمع العابر للحدود قد تكون مناسبة. 48 أيضا يتعين على الحكومة الكندية التحقيق في إمكانية الملاحقات الجنائية التي قد تساعد في الحد من تصدير أو إساءة استخدام تقنيات المراقبة من قبل الدول الأخرى.49
- ضمان أكبر قدر من الشفافية في قوانين الصادرات ذات الاستخدام المزدوج في كندا عن طريق نشر معلومات مفصلة مثل أسماء الشركات المصدّرة و أنواع التكنولوجيا التي يتم تصديرها ووجهة التكنولوجيا المُصدرة وأسباب قرارات الموافقة( أو الرفض) على تصاريح التصدير. رفع الاتحاد الأوروبي مؤخراً من متطلبات الشفافية على دول الاتحاد الأوروبي في سياق الصادرات ذات الاستخدام المزدوج.50 من شأن هذا أن يمكن المراقبة المستمرة من قبل المجتمع المدني لقدرات التجسس والمراقبة لبلدان التصدير وانتشار تقنيات المراقبة ذات الاستخدام المزدوج على مستوى العالم.
- تعزيز وتوسيع قواعد التصدير الحالية من خلال ضمان أن تقنيات المراقبة والتجسس الجديدة تخضع لضوابط الاستخدام المزدوج، وضمان أن هناك تقييماً صارماً لتأثير الصادرات ذات الاستخدام المزدوج المحتملة على حقوق الإنسان، وأنه يتعين على الشركات الامتثال لمتطلبات العناية الواجبة قبل التصدير، وأن يتم تنفيذ قواعد التصدير بشكل صارم. من المرجح أن فرض تقييم حقوق الإنسان قبل منح تراخيص التصدير سيقوّض من تقنيات المراقبة والتجسس المتاحة للأنظمة الاستبدادية. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات نحو ضمان نظام معزز وموسع لمراجعة الصادرات.51
- ضمان أن أي استخدام لأيّ من تقنيات المراقبة من قبل المخابرات الكندية وهيئات إنفاذ القانون في كندا يتوافق مع الميثاق الكندي للحقوق والحريات، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ضمان أن عمليات شراء هذه التكنولوجيا شفافة وخاضعة للتشاور العام وأن الوكالات والمؤسسات الحكومية لا تستورد أو تستخدم تكنولوجيا المراقبة من الشركات المتورطة بانتهاكات لحقوق الإنسان. بإمكان الحكومة الكندية -وكذلك الدول الديمقراطية الأخرى- أن تأخذ زمام المبادرة في القيادة و أن تكون مثالا يحتذى، إذ لديها فرصة للبدء في صياغة معايير واضحة فيما يتعلق بتوقيت وكيفية استخدام تكنولوجيا المراقبة من قبل الجهات الفاعلة الحكومية، ما من شأنه أن يقوض من قدرة الدول الاستبدادية على المحاججة بأنه يمكن استخدام مثل هذه التقنيات من قبل أية دولة، و في أي ظرف من الظروف.
دعم ضحايا القمع الرقمي العابر للحدود
- إنشاء وكالة حكومية متخصصة مستقلة عن CBSA أو CSIS أو وكالات إنفاذ القانون لتقديم الدعم لضحايا القمع العابر للحدود، و القيام بأبحاث لفهم نطاق وتأثير هذه الأنشطة على ممارسة حقوق الإنسان في كندا بشكل أفضل. ضمان أن تنسق المؤسسات الحكومية في آليات تعاملها مع القمع العابر للحدود وأن تركز على حماية حقوق وحريات المجتمعات في كندا.52
قد تساعد هذه الإصلاحات في معالجة المخاوف التي أثيرت في تقرير اللجنة البرلمانية للأمن القومي والاستخبارات في 2019، والذي يسلط الضوء على أن المؤسسات الأمنية والاستخباراتية لا تتشاطر فهماً مشتركاً للتهديد، بما في ذلك خطورته ومظاهره الأكثر شيوعاً.53 أسفر ذلك عن بطء كندا في التحرك.54وقد أشار التقرير كذلك إلى أن استجابة الحكومة الكندية “مجزأة، إذ تستجيب لحالات محددة من التدخل الأجنبي، ولكن تترك العديد من المجالات الأخرى دون معالجة، بينما يستمر تقويض المؤسسات الكندية والحقوق والحريات الأساسية، من قبل دول معادية”.55هناك مخاوف أيضاً أن التحقيقات في التدخل الأجنبي (والتي عادة ما تجريها الشرطة المحلية) تكون “لمرة واحدة” و “مرحلية” وأنها “لن تؤدي إلى فهم أوسع للمخاطر التي تهدد الأمن القومي، والسيادة المحلية، وحقوق الكنديين”.56
وقد أثيرت هذه المخاوف أيضاً في الأبحاث التي أجرتها منظمات المجتمع المدني في كندا.57
- إنشاء خط ساخن مخصص و/ أو آلية إبلاغ تمكن الأفراد من التبليغ بسرية عن حالات القمع الرقمي وغيرها من أشكال القمع العابر للحدود، وبذل جهود للتواصل وفهم الخدمات ووسائل الدعم الأخرى المطلوبة بشكل أعمق. الانخراط في مبادرات توعوية لرفع وعي المجتمعات المحلية بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني الكندية التي تعمل مع اللاجئين والمهاجرين لمشاركة المعلومات المتعلقة بالمكان الذي يمكن للأفراد عبره تلقي الدعم من قبل الهيئات الحكومية.58
- ضمان أن المؤسسات الحكومية الحالية التي تضطلع بولايات متداخلة مع القمع الوطني العابر للحدود، لديها موظفين مدربون على الإحاطة والتحقيق والاستجابة لأشكال القمع الرقمي وغيرها من أنماط القمع الرقمي العابر للحدود، وضمان أن يكونوا على اطلاع عميق على آثاره على المجتمعات في كندا. معالجة انعدام الثقة ما بين الوكالات الحكومية مثل CSIS والمجتمعات المحلية، من خلال ضمان التنوع داخل هذه المؤسسات، وإجراء المشاورات العامة، و تطبيق ضمانات مُحكمة على أنشطة CSIS.
- توفير الموارد (كالدعم المالي) لمنظمات المجتمع المدني الكندي التي تعمل بشكل وثيق مع اللاجئين والمهاجرين في كندا، لتمكينها من المساعدة في التصدي للقمع العابر للحدود. يمكن استخدام التمويل الحكومي لمنظمات المجتمع المدني للتحقيق والبحث في تأثير القمع العابر للحدود على المجتمعات، وتوفير موارد للأمن الرقمي (مثلا سكيتوريتي بلانر Security Planner)59 والموارد التعليمية المتعلقة بالقمع العابر للحدود، وزيادة توافر خدمات دعم الصحة النفسية للأفراد المعرضين للخطر.
العمل مع الشركات المضطلعة بالبنية التحتية للقمع الرقمي العابر للحدود
- سنّ التشريعات التي تضمن الشفافية في كيفية استجابة شركات وسائل التواصل الاجتماعي للطلبات الحكومية لإزالة المحتوى من منصاتها على الإنترنت أو لطلبات الحصول على معلومات المستخدمين. إذ قد ينتهي الأمر بشركات وسائل التواصل الاجتماعي بتسهيل أعمال القمع الرقمي العابر للحدود، مثال ذلك إغلاق صفحات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي استجابة لطلب من حكومة أو جهات الفاعلة ذات الصلة بالحكومة. إن ضمان أكبر قدر من الشفافية حول كيفية اتخاذ قرارات كهذه وما هي نتائجها، من شأنه أن يوفر آلية محتملة للمساءلة.
- العمل مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي لفهم كيفية رصدها ومعالجتها للقمع الرقمي العابر للحدود على منصاتها وتقييم الآليات (مثلا الآليات التنظيمية) التي قد تكون ملائمة لضمان استجابة شركات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مناسب لهذا التهديد.60 على وجه الخصوص، هناك تدابير ملموسة يمكن لشركات وسائل التواصل الاجتماعي اتخاذها للاستثمار في أمن حسابات مستخدميها و للتخفيف من خطر القمع الرقمي العابر للحدود، مثل:
- تسهيل ودعم استخدام المصادقة الثنائية (التحقق بخطوتين) وتطبيقه بشكل افتراضي على الحسابات الجديدة.
- إجراء أبحاث حول التهديدات التي يتعرض لها النشطاء والمعارضون على منصاتها، وضمان توفير الموارد والمهارات الكافية لرصد هذه التهديدات (على سبيل المثال: المهارات اللغوية الكافية والوعي الكافي بالسياقات السياسية).
- إصدار تقارير علنية عن عدد الحالات المقدرة للقمع الرقمي العابر للحدود عبر منصاتها، بالإضافة إلى كيفية معالجتها للحالات هذه ،وما هي النتائج.
- تحذير وإخطار المستخدمين والمستخدمات الذين تحددهم المنصات على أنهم مستهدفون بالقمع الرقمي العابر للحدود، وتزويدهم بنصائح واضحة وقابلة للتنفيذ بسهولة. يجب أن يتم هذا بالشراكة مع المنظمات المجتمعية لضمان حصول الأفراد المستهدفين على الدعم والمتابعة التي يحتاجونها.
- ضمان توافر موارد وإرشادات أمنية باللغات المحلية للأفراد المعرضين لمخاطر عالية، حول كيفية تأمين حساباتهم، والتفاعل مع المجتمع ومنظمات دعم إعادة التوطين لتسهيل قيام هذه المنظمات بإحالة حالات القمع الرقمي العابر للحدود إلى المنصات، كي يتسنى لها تقييمها ومعالجتها.
- فحص دور الشركات التجارية الأخرى في تسهيل القمع الرقمي العابر للحدود وتقييم الكيفية التي ينبغي أن تستجيب بها مثل هذه الشركات. من الممكن أن تتضمن الكيانات التي ينبغي فحصها كلا من: مسجلي النطاقات (domain registrars)، و شركات استضافة المواقع (web-hosting companies)، والشركات التي تستخدم خدماتها ومنتجاتها من قبل جهات فاعلة أخرى في تطوير ونشر تقنيات المراقبة الرقمية.
الخلاصة
يسلط هذا التقرير الضوء على تأثير القمع الرقمي العابر للحدود على المجتمعات الكندية للمعارضين والنشطاء الذين يعيشون في المنفى. وعلى وجه الخصوص، التأثير الخطير الذي تشكله الاستهدافات الرقمية على رفاه الضحايا، والتي تقوض من قدرتهم على الانخراط في أنشطة المناصرة العابرة للحدود، وتنتهك حقوقهم الأساسية كحقّهم في الخصوصية، وحرية التعبير، والتجمع السلمي، و تزيد من المخاطر التي يواجهها أفراد أسرهم وأصدقاؤهم الذين ما زالوا في الوطن الأم.
في الوقت ذاته، إن نمو سوق المراقبة والانتشار المستمر للتقنيات الرقمية حول العالم، يعني أنه من المرجح أن تنمو ظاهرة القمع الرقمي العابر للحدود في نطاقها وتأثيرها. لقد ذكرنا في هذا التقرير أنه يتعين على الحكومة الكندية اتخاذ إجراءات لمنع هذه الانتهاكات وحماية المجتمعات الكندية المستهدفة. كذلك أوضحنا أنه يوجد عدد من الثغرات في السياسة والقانون بشأن هذه القضايا، والتي ينبغي للحكومة الكندية أن تبدأ في معالجتها.
- BBC News (2021), “Jamal Khashoggi: All You Need to Know About the Saudi Journalist’s Death,” BBC News (24 February 2021) <https://www.bbc.com/news/world-europe-45812399>.↩︎
- Abu-Bakarr Jalloh (2021), “Rwanda: The Mysterious Deaths of Political Opponents,” DW (15 September 2021) <https://www.dw.com/en/rwanda-the-mysterious-deaths-of-political-opponents/a-59182275>; BBC News (2021), “Rwandan Seif Bamporiki Killed in South Africa,” BBC News (22 February 2021) <https://www.bbc.com/news/world-africa-56119088>.↩︎
- Catherine Porter (2019), “Chinese Dissidents Feel Heat of Beijing’s Wrath. Even in Canada,” New York Times (1 April 2019) <https://www.nytimes.com/2019/04/01/world/canada/china-dissident-harassment-sheng-xue.html>.↩︎
- In this report, we consider transnational digital repression to include anything from social media harassment campaigns (such as public, semi-public, or private harassment on Twitter or Facebook) or online messaging and communications platforms (such as WhatsApp or Skype) to the use of sophisticated spyware and malware. In all cases, these activities feature a digital technology component on either the part of governments or those targeted by them.* (في هذا التقرير، نعتبر القمع العابر للحدود يشمل إطارا واسعا من الممارسات؛ مثل حملات التحرش والإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي (كالمضايقات العلنية أو شبه العلنية على تويتر و فيسبوك مثلا) أو عبر منصات التراسل والاتصال عبر الإنترنت (مثل واتس أب أو سكايب)، وكذلك استخدام برامج التجسس والبرمجيات الخبيثة المتطورة. في كل الأحوال، ما يميز هذه الأنشطة هو عامل التكنولوجيا، سواء من قبل الحكومات أو من قبل الأفراد المستهدفين من قبلها.)↩︎
- Nate Schenkkan and Isabel Linzer (2021), “Out of Sight, Not Out of Reach: The Global Scale and Scope of Transnational Repression,” Freedom House at 3 <https://freedomhouse.org/sites/default/files/2021-02/Complete_FH_TransnationalRepressionReport2021_rev020221.pdf> [Schenkkan and Linzer, Freedom House Report].↩︎
- Ibid at 8.↩︎
- Dana M. Moss (2016), “Transnational Repression, Diaspora Mobilization, and the Case of The Arab Spring,” Social Problems 63(4) at 481 <https://academic.oup.com/socpro/article/63/4/480/2402855> [Moss, “Case of the Arab Spring”]; Fiona B. Adamson (2020), “Non-State Authoritarianism and Diaspora Politics,” Global Networks 20(1) at 153 <https://doi.org/10.1111/glob.12246>.↩︎
- See Marcus Michaelsen (2020), “The Digital Transnational Repression Toolkit, and Its Silencing Effects,” Freedom House <https://freedomhouse.org/report/special-report/2020/digital-transnational-repression-toolkit-and-its-silencing-effects> [Michaelsen, “Toolkit”]. See also Moss, “Ties That Bind” at 269.↩︎
- Ben Knight, “UK Malware Used Against Bahraini Activists,” DW (9 May 2012) <https://www.dw.com/en/uk-malware-used-against-bahraini-activists/a-16219440>.↩︎
- Geff Green and Eleanor Grace Lockley (2014), “Surveillance Without Borders: The Case of Karen Refugees in Sheffield,” in Emerging Trends in ICT Security, Ed. Babak Akhgar and Hamid R. Arabnia (2014: Elsevier) <https://doi.org/10.1016/B978-0-12-411474-6.00032-3> [Green et al., “Karen Refugees”].↩︎
- See e.g. Al Jazeera (2018), “China: Spies, Lies and Blackmail: How China Controls Its Citizens Inside and Outside the Country Where No Criticism or Dissent is Allowed,” Al Jazeera (5 April 2018) <https://www.aljazeera.com/programmes/101east/2018/04/china-spies-lies-blackmail-180404145244034.html?xif=> [Al Jazeera, “China Spies”]; Yaqiu Wang (2019), “Why Some Chinese Immigrants Living in Canada Live in Silent Fear,” The Globe and Mail (25 February 2019) <https://www.theglobeandmail.com/opinion/article-why-some-chinese-immigrants-living-in-canada-live-in-silent-fear/>; Paul Mozur and Nicole Perlroth (2020), “China’s Software Stalked Uighurs Earlier and More Widely, Researchers Learn,” The New York Times (1 July 2020) <https://www.nytimes.com/2020/07/01/technology/china-uighurs-hackers-malware-hackers-smartphones.html>; David Gilbert (2020), “Chinese Police Are Making Threatening Video Calls to Dissidents Abroad,” Vice News (14 July 2020) <https://www.vice.com/en_us/article/jgxdv7/chinese-police-are-video-calling-citizens-abroad-with-threats-not-to-criticize-beijing> [Gilbert, “Chinese Police”]; Bradley Jardine, Edward Lemon, and Natalie Hall (2021), “No Space Left to Run: China’s Transnational Repression of Uyghurs,” Uyghur Human Rights Project <https://uhrp.org/wp-content/uploads/2021/06/Transnational-Repression_FINAL_2021-06-24-2.pdf>.↩︎
- Michaelsen, “Silencing Across Borders.”↩︎
- Bill Marczak, Geoffrey Alexander, Sarah McKune, John Scott-Railton, and Ron Deibert (2017), “Champing at the Cyberbit: Ethiopian Dissidents Targeted with New Commercial Spyware,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2017/12/champing-cyberbit-ethiopian-dissidents-targeted-commercial-spyware/>; Bill Marczak, John Scott-Railton, and Sarah McKune (2015), “Hacking Team Reloaded? US-Based Ethiopian Journalists Again Targeted with Spyware,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2015/03/hacking-team-reloaded-us-based-ethiopian-journalists-targeted-spyware/>; Bill Marczak, Claudio Guarnieri, Morgan Marquis-Boire, and John Scott-Railton (2014), “Hacking Team and the Targeting of Ethiopian Journalists,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2014/02/hacking-team-targeting-ethiopian-journalists/>.↩︎
- Michaelsen, “Silencing Across Borders”; Michaelsen, “Exit and Voice”; Michaelsen, “Far Away, So Close”; Raphael Satter and Christopher Bing (2020), “Exclusive: Iran-Linked Hackers Pose as Journalists in Email Scam,” Reuters (5 February 2020) <https://www.reuters.com/article/us-iran-hackers-exclusive-idUSKBN1ZZ1MS>; John Scott-Railton, Bahr Abdul Razzak, Adam Hulcoop, Matt Brooks, and Katie Kleemola (2016), “Group5: Syria and the Iranian Connection,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2016/08/group5-syria/> [Scott-Railton et al., “Group5”]; John Scott-Railton and Katie Kleemola (2015), “London Calling: Two-Factor Authentication Phishing From Iran,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2015/08/iran_two_factor_phishing/>.↩︎
- Eva Galperin, Cooper Quintin, Morgan Marquis-Boire, and Claudio Guarnieri (2016), “I Got a Letter From the Government the Other Day: Unveiling Campaign of Intimidation, Kidnapping, and Malware in Kazakhstan,” The Electronic Frontier Foundation <https://www.eff.org/files/2016/08/03/i-got-a-letter-from-the-government.pdf>.↩︎
- Ibid↩︎
- Lizzie Dearden (2019), “Human Rights Activist Launches Legal Claim Against Saudi Arabia for ‘Hacking Phone’ in UK,” The Independent UK (29 May 2019) <https://www.independent.co.uk/news/uk/home-news/saudi-arabia-spying-phones-ghanem-dosari-uk-spyware-pegasus-a8935331.html>; Eli Lake (2019), “The Dark Side of Israel’s Cold Peace With Saudi Arabia: The Saudis Are Using Israeli-Made Cyberweapons to Monitor and Intimidate Dissidents Abroad,” Bloomberg (3 June 2019) <https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2019-06-03/israel-s-cold-peace-with-saudi-arabia-has-a-dark-side> [Lake, “The Dark Side”]; Ayman M. Mohyeldin (2019), “No One Is Safe: How Saudi Arabia Makes Dissidents Disappear,” Vanity Fair (29 July 2019) <https://www.vanityfair.com/news/2019/07/how-saudi-arabia-makes-dissidents-disappear>; Bill Marczak, John Scott-Railton, and Ron Deibert (2018), “NSO Group Infrastructure Linked to Targeting of Amnesty International and Saudi Dissident,” Citizen Lab, <https://citizenlab.ca/2018/07/nso-spyware-tar>; Bill Marczak, John Scott-Railton, Adam Senft, Bahr Abdul Razzak, and Ron Deibert (2018), “The Kingdom Came to Canada,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2018/10/the-kingdom-came-to-canada-how-saudi-linked-digital-espionage-reached-canadian-soil/>.↩︎
- Daniel Regalado, Nart Villeneuve, and John Scott-Railton (2015), “Behind the Syrian Conflict’s Digital Frontlines,” Fire Eye <https://www.fireeye.com/content/dam/fireeye-www/global/en/current-threats/pdfs/rpt-behind-the-syria-conflict.pdf>.↩︎
- BR24 (2020), “Lined Up in the Sights of Vietnamese Hackers,” BR24 (7 October 2020) <https://web.br.de/interaktiv/ocean-lotus/en/>.↩︎
- Ronald J. Deibert (2020), Reset: Reclaiming the Internet for Civil Society (2020: House of Anansi Press) at chap. 3; Erica Frantz, Andrea Kendall-Taylor, and Joseph Wright (2020), “Digital Repression in Autocracies” Varieties of Democracy Institute at 2 <https://www.v-dem.net/media/filer_public/18/d8/18d8fc9b-3ff3-44d6-a328-799dc0132043/digital-repression17mar.pdf> [Frantz et al., “Autocracies”].↩︎
- Moss, “Ties That Bind” at 278. See also Dalmasso et al., “Intervention” at 3; Schenkkan and Linzer, Freedom House Report at 4.↩︎
- See e.g. Bill Marczak, John Scott-Railton, Bahr Abdul Razzak, Noura Al-Jizawi, Siena Anstis, Kristin Berdan, and Ron Deibert (2021), “FORCEDENTRY: NSO Group iMessage Zero-Click Exploit Captured in the Wild,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2021/09/forcedentry-nso-group-imessage-zero-click-exploit-captured-in-the-wild/>.↩︎
- Moss, “Ties That Bind” at 278.↩︎
- Frantz et al., “Autocracies” at 2.↩︎
- Moss, “Ties That Bind” at 278.↩︎
- Ibid at 13.↩︎
- Ibid at 7.↩︎
- See e.g. Chatham House (2019), “The Application of International Law to Cyber Attacks” Chatham House <https://www.chathamhouse.org/2019/12/application-international-law-state-cyberattacks/7-conclusions-and-recommendations>.↩︎
- لقد أشرنا إلى البلدان الأصلية للمشاركين والمشاركات كما عبروا عنها. على سبيل المثال، مشارك قد عرف نفسه بأنه من بلوشستان بأنه “مشارك من بلوشستان”، على أن منطقة بلوشستان غير معترف بها دولياً كدولة، وإنما تعتبر جزءاً من باكستان. وفي بعض الحالات، أغفلنا ذكر البلد الأصلي للمشارك، بهدف حماية هويته/ا↩︎
- أحد المشاركين لم يرغب بمشاركة عمره، ولذلك قد تم حذفه من متوسط الأعمار.↩︎
- تضمنت ممارسات الأمان الرقمي هذه الفصل ما بين حسابات البريد الإلكتروني وتخصيص حسابات خاصة بالحياة الشخصية وأخرى خاصة بالعمل، الفضل ما بين الأجهزة كذلك وأرقام الهواتف، واستخدام منصات مشفرة للتواصل و شبكات VPN، واستخدام لغة ضبابية أو مشفرة حين التواصل عبر الإنترنت، وتغيير كلمات المرور بانتظام، وتفعيل خاصية التحقق بخطوتين (2FA)، إبطال تتبع الموقع في التطبيقات، وحذف التطبيقات التي يخشون أن تستخدمها سلطات بلدانهم الأصلية ضدهم.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعاراً للمشارك لحماية هويته.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعارأ للمشاركة لحماية هويتها.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعاراً للمشارك لحماية هويته.↩︎
- تعرف تركستان الشرقية أيضاً باسم منطقة شينجيانغ أويغور ذاتية الحكم في الصين.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعاراً للمشارك لحماية هويته.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعاراً للمشاركة لحماية هويتها.↩︎
- استخدمنا أسماء مستعارة للإشارة للمشاركين وذلك لحماية هوياتهم.↩︎
- استخدمنا اسماً مستعاراً للمشارك لحماية هويته↩︎
- For example, the Canadian Security Intelligence Service Act defines foreign influenced activities (considered to be “another term for foreign interference” by CSIS) as “activities within or relating to Canada that are detrimental to the interests of Canada and are clandestine or deceptive or involve a threat to any person.” This definition of “foreign interference” is broad enough to capture activities that take place under digital transnational repression as defined at the outset of this report since such activities threaten Canadian values and interests such as human rights. See Canadian Security Intelligence Service (2021), “Foreign Interference Threats to Canada’s Democratic Process,” <https://www.canada.ca/en/security-intelligence-service/corporate/publications/foreign-interference-threat-to-canadas-democratic-process.html#toc2>; Public Safety Canada (2020), “Foreign Interference,” <https://www.publicsafety.gc.ca/cnt/trnsprnc/brfng-mtrls/prlmntry-bndrs/20210325/027/index-en.aspx?wbdisable=true>; Public Safety Canada (2021), “Foreign Interference,” <https://www.publicsafety.gc.ca/cnt/trnsprnc/brfng-mtrls/prlmntry-bndrs/20210722/015/index-en.aspx>; Public Safety Canada (2020), “Response to the December 18, 2021 Motion on Foreign Interference,” <https://www.passengerprotect-protectiondespassagers.gc.ca/cnt/trnsprnc/brfng-mtrls/prlmntry-bndrs/20210625/27-en.aspx>; Canadian Security Intelligence Service (2020), “Espionage and Foreign Interference,” <https://www.canada.ca/en/security-intelligence-service/corporate/espionage-and-foreign-interference.html>.↩︎
- In particular, see recommendations by Alliance Canada HK (2021), “In Plain Sight. Beijing’s Unrestricted Network of Foreign Influence in Canada,” Alliance Canada HK <https://alliancecanadahk.com/wp-content/uploads/2021/05/ACHK_InPlainSight.pdf> [Alliance Canada HK, “In Plain Sight”]; Canadian Coalition on Human Rights in China and Amnesty International Canada (2020), “Harassment & Intimidation of Individuals in Canada Working on China-Related Human Rights Concerns,” Canadian Coalition on Human Rights in China & Amnesty International <https://www.amnesty.ca/sites/default/files/Canadian%20Coalition%20on%20Human%20Rights%20in%20China%20-%20Harassment%20Report%20Update%20-%20Final%20Version.pdf> [Canadian Coalition on Human Rights in China, “Harassment & Intimidation”]. For a list of detailed policy recommendations in the US context regarding how the US should address transnational repression, see Schenkkan and Linzer, Freedom House Report.↩︎
- See Alliance Canada HK, “In Plain Sight” at 12.↩︎
- See also Canadian Coalition on Human Rights in China, “Harassment & Intimidation” at 51.↩︎
- United States Department of Commerce (2021), “Commerce Adds NSO Group and Other Foreign Companies to Entity List for Malicious Cyber Activities,” US Department of Commerce (3 November 2021) <https://www.commerce.gov/news/press-releases/2021/11/commerce-adds-nso-group-and-other-foreign-companies-entity-list>.↩︎
- Schenkkan and Linzer, Freedom House Report at 55.↩︎
- Harvard Law Review (2018), “Doe v. Federal Democratic Republic of Ethiopia,” Harvard Law Review 131 at 1179–1186 <https://harvardlawreview.org/2018/02/doe-v-federal-democratic-republic-of-ethiopia/>.↩︎
- Digital transnational repression (and transnational repression) may fall within the scope of general criminal law provisions such as national computer crime laws, although there are few examples of states undertaking such prosecutions specifically in relation to digital transnational repression. See Ron Deibert and Sarah McKune (2017), “Who’s Watching Little Brother?: A Checklist for Accountability in the Industry Behind Government Hacking,” Citizen Lab at 10–13 <https://citizenlab.ca/wp-content/uploads/2017/03/citizenlab_whos-watching-little-brother.pdf>. As the authors note: “[l]acking, however, are coordinated campaigns against malicious actors specifically targeting civil society. Indeed, the frequent extraterritorial application of spyware technology against diaspora groups and other ‘hostile’ civil society actors beyond the physical reach of the state—some of which even incorporate ICT infrastructure in the jurisdiction of the target—raises serious questions about the resolve of governments to protect citizens from foreign espionage and information operations, and what sovereignty means in such a context.”↩︎
- UN High Commissioner for Refugees (2014), “Comments from the UNHCR on the Memorandum of 6 December 2013, Proposing Criminalization of Refugee Espionage,” <https://www.refworld.org/country,,UNHCR,,FIN,,5829ad6c4,0.html>; Säkerhetspolisen (2017), “Man gripen för flyktingspionage,” Säkerhetspolisen (27 February 2017) <https://www.sakerhetspolisen.se/ovrigt/pressrum/aktuellt/aktuellt/2017-02-27-man-gripen-for-flyktingspionage.html>. See also Swedish Security Service (2019), “Individual Charged on Suspicion of Refugee Espionage,” Swedish Security Service (6 October 2019) <https://www.sakerhetspolisen.se/en/swedish-security-service/about-us/press-room/current-events/news/2019-11-06-individual-charged-on-suspicion-of-refugee-espionage.html>; UN High Commissioner for Refugees (2014), “Comments from the UNHCR on the Memorandum of 6 December 2013, Proposing Criminalization of Refugee Espionage,” <https://www.refworld.org/country,,UNHCR,,FIN,,5829ad6c4,0.html>. However, the use of criminal law to pursue individuals who undertake surveillance against refugee communities needs to be done with extreme caution so it does not become a mechanism by which to deport refugee claimants.↩︎
- For example, the United States Department of Justice has also pursued American ex-intelligence officials for facilitating the digital espionage capabilities of foreign states and noted that the prosecution was intended to dissuade the use of “hackers-for-hire.” See United States Department of Justice, “Three Former US Intelligence Community and Military Personnel Agree to Pay More than 1.68 Million to Reserve Criminal Charges Arising from their Provision of Hacking-Related Services to a Foreign Government” United States Department of Justice (14 September 2021) <https://www.justice.gov/opa/pr/three-former-us-intelligence-community-and-military-personnel-agree-pay-more-168-million>↩︎
- Beatrix Immenkamp (2021), “Review of Dual-Use Export Controls. European Parliamentary Research Service,” European Parliament at 3 <https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/BRIE/2016/589832/EPRS_BRI(2016)589832_EN.pdf>.↩︎
- Ibid. On due diligence rules, see Siena Anstis and RJ Reid (2021), “The Adverse Human Rights Impacts of Canadian Technology Companies: Reforming Export Control with the Introduction of Mandatory Human Rights Due Diligence,” Canadian Journal of Law and Technology.↩︎
- See also Canadian Coalition on Human Rights in China, “Harassment & Intimidation” at 50–51. For example, Public Safety Canada “has established a Federal, Provincial and Territorial Community of Practice on Economic-based national security threats to bring together key officials at the working level from across these jurisdictions to discuss national security threats that arise through economic activities. This includes, for example, threats arising from foreign direct investment, trade and exports, and the transfer or acquisition of Canadian intellectual property, knowledge, rights and licenses.” A similar effort in relation to digital transnational repression has not been undertaken, despite the fact that such activity threatens and impairs the fundamental rights of Canadians and, more broadly, may facilitate understanding and responding to economic-based national security threats. National Security and Intelligence Committee of Parliamentarians (2019), “Annual Report,” at 109 <https://www.nsicop-cpsnr.ca/reports/rp-2020-03-12-ar/annual_report_2019_public_en.pdf> [NSICOP 2019 Annual Report].↩︎
- NSICOP 2019 Annual Report.↩︎
- Ibid at 102.↩︎
- Ibid at 104.↩︎
- Ibid at 105.↩︎
- Alliance Canada HK, “In Plain Sight”; Canadian Coalition on Human Rights in China, “Harassment & Intimidation.”↩︎
- See also Canadian Coalition on Human Rights in China, “Harassment & Intimidation” at 50–51; Alliance Canada HK, “In Plain Sight” at 12.↩︎
- Consumer Reports (2022), “Security Planner” <https://securityplanner.consumerreports.org/>.↩︎
- In assessing the potential regulation of social media companies, caution must be exercised not to make the problem worse. Such regulatory measures should only be taken after careful, public, and exhaustive consultation with civil society and human rights organizations. See Cynthia Koo, Lex Gill, and Christopher Parsons (2021), “Comments on the Federal Government’s Proposed Approach to Address Harmful Content Online,” Citizen Lab <https://citizenlab.ca/2021/09/comments-on-the-federal-governments-proposed-approach-to-address-harmful-content-online/>.↩︎